رفض الشاب المصري أحمد عبد التواب، الذي بدا عليه التوتر والحزن، وهو يمسك بيد أحد المحامين في طريقه إلى النيابة العامة لمراجعة ما آل إليه بلاغ يتهم فيه إدارة مستشفى حكومي بـ"سرقة" قرنية شقيقه المتوفى، الخوض مجددا في تفاصيل تسلم جثة شقيقه قبل أيام والدماء تنزف من عينيه بشكل "مخيف" بعد ساعات من وفاته.
وتقدم عبد التواب قبل يومين ببلاغه إلى الشرطة والنيابة العامة طالبا تشريح جثمان أخيه الذي دخل إلى مستشفى القصر العيني بالقاهرة، وهو يعاني من مرض في القلب، وتوفي بعد أسبوع مكثه في العناية المركزة. وبعد تشريح الجثمان، أبلغ الطبيب الشرعي شقيق المتوفى بأن قرنيته أخذت من الجثمان في المستشفى.
وأثارت واقعة استئصال قرنية عين محمد عبد التواب، 48 عاما، شقيق أحمد، في مستشفى القصر العيني الحكومي بعد وفاته، دون إبلاغ أسرته أو الحصول على موافقتهم، جدلا واسعا في مصر، أعقبه إقرار وإيضاحات من إدارة المستشفى ومتخصصين في طب وجراحة العيون وبرلمانيين بأن نزع القرنية دون إبلاغ أسرة المتوفى قانوني وشرعي، بحسب نصوص قانون أقر قبل 15 عاما.
وأوضح شقيق المتوفى في تصريحات صحفية عديدة ومداخلات لمحطات تلفزيونية أنه أبلغ بوفاة شقيقه محمد من قبل إدارة المستشفى وعندما ذهب لاستلام الجثمان، وجد حالة من الارتباك وعدم الوضوح بين الممرضات وعمال المشرحة في مستشفى قصر العيني.
وقال أحمد: "أبلغوني في البداية أن الكهرباء لا تعمل بالمشرحة، ثم بدون إنذار أضاؤوا الأنوار، وكانت المفاجأة أن الدماء تنزف بشدة من عيني شقيقي المتوفى". وأضاف أحمد أنه رفض تسلم الجثمان وتحدث إلى الأمن في المستشفى وإداراتها، الذين أعطوه نسخة من القانون رقم 79 لسنة 2003.
مواضيع قد تهمك
- السجن لشاعر مصري أُدين بإهانة المؤسسة العسكرية
- هل اغتالت إسرائيل "عراب البرنامج الصاروخي" الإيراني؟
- "مستعبدة" سابقة تسعى لدخول البرلمان الموريتاني
- من هي رئيسة الوزراء التي عادت إلى عملها بعد أجازة وضع؟
وأضاف أحمد: "أعتقد أن ما حدث غير قانوني لأنه تم دون علم أو موافقة من شقيقي المتوفى قبل وفاته أو من أهله، فحررت محضرا بقسم الشرطة".
"شفافية غائبة"
وقالت زوجة المتوفي محمد عبد التواب إنها تتشكك فيما ذكره المستشفى من سبب وفاته بهبوط حاد في الدورة الدموية بسبب ضعف في عضلة القلب، موضحة أن اكتشاف نزع القرنية بالمصادفة عند تسلم الجثة دون إبلاغنا بما تم، والارتباك في سلوك الممرضات وفريق المستشفى "يوحي بأن شيئا ما خطأ وقع".
وأضافت الزوجة في تصريح متلفز: "لم نكن نعلم شيئا عن القانون الذي يقال إنه يسمح بذلك دون علمنا، إلا بعد أن سلمتنا إدارة المستشفى نسخة منه".
وقال محسن سالم، أستاذ بقسم الرمد بالقصر العينى، إن المستشفيات لا تأخذ موافقة كتابية من أهل المتوفى أو تبلغهم، لأن أهل المتوفى يكونون فى حالة حزن وصدمة فإذا استئذناهم فى أخذ قرنية متوفاهم ربما يصل الأمر إلى شجار".
وأوضح سالم أن "القرنية ليست عضوًا من أعضاء الجسم، بل نسيجًا لا يحتوى على أوعية دموية".
وعمليات زراعة القرنية تعيد أمل استعادة النظر للمرضى من ضعاف البصر أو بعض فاقديه.
وتفسد القرنيات - بحسب عدد من أطباء جراحة العيون تحدثت إليهم بي بي سي - إذا لم تؤخذ من المتوفى خلال ست ساعات عقب الوفاة، كما أنها لا يمكن أن تؤخذ إلا من شخص متوفى.
واستطلعت بي بي سي أراء 20 شخصا عبر الهاتف، بينهم رجال وسيدات، بشأن علمهم بأنه يجوز قانونا لبعض المستشفيات الحكومية في مصر استئصال قرنية المتوفى دون إبلاغ أهله، فأكدوا جميعا أنهم لا يعلمون أن هناك قانونا يبيح ذلك.
وقال 16 من بين من تحدثنا إليهم إنهم سيرفضون ذلك حال طلب استئذانهم قبل نزع القرنية.
جدل قانوني
وأوضح فتحي خضير عميد كلية طب القصر العيني أن استئصال الجزء السطحي فقط من القرنية دون إذن أسرة المتوفي من أجل علاج مرضى المستشفيات المجانية قانوني بشكل كامل، لافتا إلى أن مفتي الديار المصرية وافق على مثل هذه العمليات منذ صدور القانون في 2003.
مصدر الصورةGETTY IMAGES
Image captionالمستشفى يقول إن القرنية ليست عضوا من أعضاء الجسم (أرشيف)
وبنص القانون 79، الذي عدّل مرتين بعد ذلك ويختص بزراعة القرنية، دون غيرها من الأعضاء البشرية الأخرى، على حصول بنوك العيون على القرنيات من المصادر التالية: الأشخاص الذين يوافقون موافقة كتابية على نقلها بعد وفاتهم بغير مقابل، وقتلى الحوادث الذين تأمر النيابة العامة بتشريحهم، و قرنيات عيون الموتى بالمستشفيات والمعاهد المرخص لها بإنشاء بنوك قرنيات العيون، دون إبلاغ أهلهم.
وتجرم المادة 61 من الدستور المصري استئصال أي عضو من جسم الإنسان بعد وفاته دون الحصول على توصية، مهما كانت الأسباب، كما تحرم أيضا إجراء التجارب السريرية على المرضى دون الحصول على إذن منهم.
ويقول سمير التوني الأمين العام المساعد لنقابة الأطباء إن استئصال الجزء السطحي من قرنية المتوفى دون توصيته قبل وفاته، أو الحصول علي إذن من أقاربه بعد وفاته لا يجوز مهنيا أو إنسانيا.
وقال عبد الحميد أباظة، مقرر لجنة زراعة الأعضاء بوزارة الصحة سابقا، إن زراعة القرنية لها قوانين خاصة بها دون غيرها من أعضاء الجسم، وإن عشرات الآلاف على قوائم انتظار هذه العملية في المستشفيات الحكومية.
وأوضح أباظة أن عملية زراعة القرنية تتكلف من 20 إلى 30 ألف جنيه مصري (نحو 1000 إلى 1500 دولار)، مضيفا أن مصر تستورد القرنية من الخارج، رغم قواعد نزعها حسب القانون.