
المحاماة ليست مهنة كغيرها. إنها رسالة تحمل في طياتها شرف الدفاع عن الحق والعدل، لكنها تتطلب قبل ذلك الولاء للوطن، والانتماء للمبادئ الكبرى.
لا يجوز للمحامي، مهما كانت قناعته ومهما كانت قضيته، أن يتخلى عن احترامه لوطنه وهو يترافع، ولا أن يطلق العنان لكلماته كي تدمر القيم الوطنية.
لقد نصت مواثيق أخلاقيات المحاماة، سواء الوطنية أو الدولية، على أن المحامي يجب أن "يمارس مهمته بروح الشرف والكرامة"، وأن "يحترم المؤسسات العامة للدولة".
فأين هذه الروح من خطاب يشبه موريتانيا بالحانوت؟
أيها الأستاذ الجليل، هذه المرة، ليس النظام هو خصمك، ولا المحكمة، ولا النيابة العامة، ولا الصحافة.
خصمك هو الوطن الذي حملته بين ضلوعك يوما، والذي انتفضت باسمه في شوارع نواكشوط عندما كنت شابًا، والذي غامرت من أجله بمستقبلك المهني مرات ومرات.
خصمك هو كل موريتاني شريف آمن بأن موريتانيا ليست صفقة، ولا صفًا للبيع، ولا حانوتًا لتصفية الحسابات.
خصمك هو كل من يحلم بموريتانيا جديدة، أكثر عدالة، أكثر كرامة، وأكثر احترامًا لتاريخها ونضال أبنائها.
نعم، نحملك المسؤولية الأخلاقية الكاملة عن هذه العبارات.
وننتظر منك، باسم تاريخك ونضالك الطويل، أن تعتذر صراحة عن هذه الإهانة في حق وطنك.
ليست الكلمات العابرة التي تهدم الأوطان، بل هي الصمت أمام الكلمات القاتلة. ونحن، أبناء موريتانيا، لن نصمت عن من يهينها، مهما كان ماضيه ومقامه.
موريتانيا ليست حانوتًا.
موريتانيا ليست ملكًا لأحد كي يقيمها أو يصغرها حسب مزاجه.
موريتانيا وطن الشهداء، وطن الحرف والكلمة، وطن التضحية والوفاء.
وكل من يسيء إليها، أيا كان، يجب أن يسمع كلمة الحق التي تذكره بقدسية هذه الأرض.
ومما يزيد هذا المشهد إيلامًا أن من كان يتغنى بحب الوطن، ويعلق في واجهة حضوره بيتًا من الشعر يقول فيه:
يا بلادي أحببت فيك ضياعي ** وبظلمي فيك رضيت وبخسي
لست أبغي في الكون عنك بديلا ** وعزائي أني بأقصاك منسي !
قد نسي هذا النشيد ساعة الوقوف أمام المنبر.
نسي أنه بظله ظل الوطن، وبمقامه مقام التاريخ.
نسي أن المحب لا يشبه معشوقه بالحانوت، ولا يرخص به مهما اشتد الخلاف أو استبد الغضب.
لقد خانه البيت الذي رفعه شعارًا، وخانته الكلمات التي كان ينبغي أن تكون له حارسة في ساعة الاختبار.
يا أستاذ محمدٌ ولد إشدو، عد إلى رشدك، واستحضر تاريخك، وضع الكلمة في موضعها، فإن حب الأوطان من الإيمان، وإن الإساءة إليها سقوط لا تبرره لا المرافعات ولا المواقف.
تابعون على الواتساب
https://whatsapp.com/channel/0029VbAbNUiCxoB40DcIdZ1B