شهد العالم في تسعينيات القرن المنصرم توجها كبيرا نحو الاقتصاد الريفي بعد المجاعة التي خلفتها ظاهرة الجفاف .
وظلت الى اليوم ريادة الاستقطابية التمويلية حكرا عليه ،وقد ولد في هذا الخضم قطاع التنمية الريفية المتعدد الاقطاب وفي بلادنا خرجت عنه قطاعات ماكان لها ان تخرج لوشائج التداخل القطاعي وضرورات التنظير الفوقي ،مثل الصيد الذي هو زراعة في الاصل والصناعات التحويلية التي هي مآل والمياه التي هي عصبه والبيئة التي هي مدركه.
ورغم ان الدولة نظرت في محيطها لتطوير القطاع حينئذ وخلقت آليات الديمومة (منظمة استثمار نهر السنغال لضبط الري) وآليات التكوين بشقيه التجريبي (المزارع الكبرى ) والتكويني (مدرسة كيهيدي ) تجسد توجهها في انشاء اطار تنفيذي يضمن التحول من الانتجاعية المناخية التقليدية الى الضبطية التطبيقية وكانت (صونادير ،او اسنيم الريف كما تسميها الساكنة) .
خرجت من رحم هذه السياسة فوضى اطارية عارمة قتلت جوهر الاهداف وابقت على الاشكال وفعلا وجدت زراعة لها انتاجها المتعثر والغالي الكلفة والمهم اقتصاديا و"سياديا " خلقت مؤسسات ومشاريع منها ما قضى ومنها ما ينتظر.
واكبته اجيال من المزارعين طبعتهم لونية الحاكم وقادتهم انتقائيته الولاءاتية بفوارق طفيفة املتها اكراهات المواءمة التشريعية الريعية.
وصلتم للسلطة سيدي الرئيس واظنني مؤهل لقراءتي مهنيا وسياسيا ،فأنا قيادي في اعتى واعرق المدارس السياسية قلعة النضال والمصداقية الوطنية التكتل ورئيس عنوان العمل "النقابي" في القطاع الريفي (النقابة المندمجة للزراعة والتنمية SIAGE) ومزارع منذ اكثر من ثلاثة عقود والحمد لله.
وصلتم اذا بعد شح في الامطار دام اربع سنين لم يكن عادلا جغرافيا والحمد لله كادت الثروة الحيوانية فيها ان تتبدد وانعدمت الزراعة المطرية ولم يغير ذالك في حساب الناتج المحلي الخام رغم انتكاسة احدى مكوناته الرقمية الكبرى ؟!؟!؟! واخترتم وزير التنمية الريفية الحالي الأخ ادي ولد الزين لم يكن للرجل سوى المسايرة الحصيفة والسير بحذر على خطى لغمت قبله عبر طريق خط نحو قاع الفشل.
واعلنها بكل جرءة انه سيواكب المسار حتى يخط "بتشاركية" مسار عمله القطاعي وطلب من الجميع "دون استثناء" الكتابة اليه بمقترحاتهم للنهوض بالقطاع واجتمع معنا في يوم مشهود وخرجت في مجلس الوزراء الموالي سياستكم القطاعية التي تضمنتها السياسة العامة للحكومة.
حلت جائحة كورونا بالعالم وحاصرته وقطعت اوصاله واهلكت الحرث والنسل وعلينا مع تواصل شح الامطار فكان تدخل القطاع سريعا وفعالا وناجحا وناجعا .فعملية اقتناء اعلاف المواشي في ظروف الحصار الدولي وتوزيعها في ظروف متساوية زمانيا ومكانيا وقيميا لم تكن بديهية وتستحق لوحدها الاشادة والتقدير.
وصاحبها استسقاء عطل لعقود من مادية المعتقد اجابه العاطي بخريف مبكر ادى لعري زيف الدعاية في القطاع المروي ،وهنا نقف:
من المعلوم بالضرورة ان الحديث عن الزراعة المروية في بلادنا ينحصر جغرافيا في منطقة النهر ونوعيا في الارز وتقنيا في الري بالغمر.
ومن هنا نلج واقعا مبنيا على الارتجالية والتهويل الدعائي بخلفيات تحايلية استنزافية خيمت على ماض تبريري متعثر.
رغم وجود مئات الحاصدات والجرارات اداريا على التراب الوطني على الاقل في كنانيش النهب الرسمي وباعمار خدمية يفترض فيها الاستمرار في حلقات الانتاج .عرى اغلاق الحدود هذه الدعاية مخلفا وراءه تساؤلات كبيرة باعتمادنا خدميا على الجارة السنغال .كان لتزامن حصاد حملة الصيف الماضية وسرعة هطول الامطار وادامتها والحمد لله اثر كارثي على الحصاد وكان تدخل الدولة جديد ونوعي ومعتبر . لكن لم يقتصر القطاع كالعادة على الحلول المؤقتة وشرع في غلق منحدر المكننة الزراعية واعلن عن مناقصة لاقتناء الحاصدات والجرارات برقم 120 حاصدة من النوع الجيد الصناعة ستتولى حصاد هذه الحملة الصيفية بحول الله.
من المفارقات الغريبة ان التراب الوطني لا توجد عليه حبة بذور مصدقة حسب المعايير والمساطر المتعارف عليها دوليا ومع ذالك نستمر في الزراعة بنفس المحصول دون نقاء في النوع ولا صفاء في الشكل ولما كان الامر هكذا شرع القطاع بتنسيق وتمويل انتاج بذور قاعدية سليمة اقتنتها الدولة من خلال هيئة الوصاية وكثرتها المؤسسات القانونية للبذور ومولت اقتناء التجهيزات اللازمة لتصفيتها رغم انها لم توجد ابدا خلال عقود من الانتاج الزراعي.
واما عن الشق الآخر والركن الاساس لكل زراعة والذي هو الماء فقد ضاعف القطاع الغلاف المخصص لتسليك الروافد والمحاورالمائية والذي يخضع لمخطط شامل ومرتب يشرف عليه الاستصلاح الريفي وتنفذه محمدة الاحكام شركة اسنات
ناهيك عن السدود والحواجز المائية في مناطق الزراعة المطرية والوااحاتية وتطوير تقنيات الري من خلال مشاريع الارتكاز القطاعية الكبرى مثلpariis ومشروع الواحات وغيرهم من المشاريع التي اعيدت هيكلتها وتوجيه بوصلتها بعدالة جغرافية ادق.
لم يتوقف الطموح عند هذا الحد بل تجاوزه لاستخلاص الدروس من الاحداث الجيوسياسية وبحصافة اقتصادية ذاتية بعيدا عن التداخلات القطاعية ومتجاوزة اياها احيانا لضرورة الفعالية الانتاجية فقد ادت ظاهرة القوارض التي اكتسحت المحاصيل الاستنباتية(reppousse) وما جاورها من المساحات المبذورة الى ضرورة تجاوز البروتوكولات والاختصاصات القطاعية للتعاون في التشخيص والعلاج والذي ادى لخلاصة اخرى موغلة في الارتجالية وعدم المسؤولية وهي عدم وجود جهاز مختص تسند اليه مهمة حماية النباتات شطب من هيكلة القطاع قبل سنين كدليل على جثوم خلفية الاستنزاف التميلي بدل التطوير الانتاجي.
وتجدر الاشارة الى ان الوزير اعلن عن انشاء هذا الاطار الاداري في هيكلة القطاع المزمعة قريبا .ادت مثلا الى التعاطي اليومي مع النظير السنغالي.
وفي هذا الخضم وتشجيعا للمزارعين وتحفيزا على الجودة اعلن الوزير عن تحمل الدولة لتكاليف الاسمدة وعن الجميع دون تمييز ولا غرض انتخابي وهذا من اعظم الانجازات واشملها في تاريخ القطاع وسيكون له اثره البالغ ليس فقط على المزارعين بل سيتجاوزهم الى المستهلكين وهنا مربط الفرس.
يتداول اغلب وزراء الزراعة الذين عرفتهم ورؤساؤهم الذين عينوهم في خطاباتهم الرسمية مقولة شهيرة بتفاوت في الفهم (لا استقلال لأمة تاكل من وراء حدودها ) وقد اتخذها وزير التنمية الريفية الحالي هدفا ساميا يتوجه نحوه بخطى ثابتة ودقيقة وانطلاقا من العدم ،فقد ادى التحول الكبير في المسالك الغذائية للموريتانين وتسارع الوعي الصحي والضربات تحت الحزام من شركاء التوق وتعثرات الانسيابية التجارية العالمية واكراهات القدرة الشرائية الى بلبلات رقمية كارثية تملي ضرورة تنويع الانتاج الزراعي ومحاربة الفوضى التجارية للحيلولة دون الوقوع تحت رحمة الجشع التربحي وضمان السيادة الغذائية.
وكانت مقاربة انتاج الاكتفاء الذاتي من الخضروات ،انطلقت هذه السياسة هي الاخرى من فرضيات المتاح ومسايرته وتطويره وحساب المقدرات واستغلالها واعلنت الوزارة عن سياسة تنويع زراعي مندمج البسته لبوسا الوطنية الكفيل بجر الخيرين له وجندت له كل الطاقات الما دية في زمن الشح ونظرت من خلاله لخلق منتجين مهنيين متخصصين بعيدا عن التسييس الدعائي الواهي وارادت كذالك من خلاله بعث الروح في رمزية تنوع المزارعين انفسهم وتنوع المتدخلين الماليين مناطقيا وكفاءاتيا.
فقد واصلت الوزارة بنودها الخجولة في انتاج الخضروات وتجاوزتها لخلق منظومة متكاملة تقنيا وسياسيا وماليا لخلق انتاج متنوع يستهدف الانسان والحيوان لتطوير قطاع هو وحده الكفيل باجتثاث الفقر من اعماق وطن يقتات عليه بنسبة كبيرة تحت رحمة جغرافيا وعرة ومناخ متقلب.
فقد قرر الوزير اعادة صونادير من خلاله لدورة الانتاج وعبأ الخصوصيين للتوجه نحوه وحفز التعاونيات القروية على التطوير والاستمرار.
ومن هذا المنطلقت وانسجاما مع المعطيات المناخية واخذا في الحسبان قدرة السوق الاستيعابية وادخالا لتكنولوجيا المساطر الانتاجية جندت الوزارة مقدرات مالية هائلة في زمن خاص لاقتناء البنى التحتية الضرورية للتخزين والبذور المهجنة والمكننة الزراعية المتخصصة ،وشرعت في سياسة تفاوتية ثنائية المسارات .سيكون تاثيرها ملموسا بتدرج نوعي متسارع قبل نهاية العام ان شاء الله.
ومن خلال زراعة الاعلاف ستحصل نقلة نوعية سوسيو اقتصادية في التنمية الحيوانية تجب فشل وقصور المحاولات الباهظة التكاليف عبر حقب الحكامات الاقتصادية السابقة.
من هنا تعترضنا ملاحظتان اساسيتان.
الملاحظة الاولى : من سنة الله في خلقه ان جعل التشارك في النفع من اقوى عرى الارتباط البشري ،ومن خلفيات الاقتصاد توسيع دائرة الريع وينفرد الاقتصاد الاجتماعي من اسمه في هذا المجال وترتكز سياسات محاربة الفقر على تحسينات الدخل ومن مرتكزاته التشغيل وعليه تملي ضرورات اخرى من اهمها اللحمة الوطنية حتمية التنظير لمرتنة الشغيلة الزراعية واظن الوقت قد حان لذلك ،فعشرات آلاف فرص العمل في القطاع قابلة للتضاعف مكتسحة من غير الموريتانيين الذين يشكلون بحد ذاتهم غير انهم تفريط ،خطرا على السياسات الاقليمية بصفات اخرى وبؤرا للتأثير المسلكي في الثقافة التراكمية للمجتمع .اعتبر ان سياسة التأمين الصحي والاجتماعي التي تبدو خيارا اجتماعيا وطنيا قد تكون مطية لتسريع مطية المرتنة .
الملاحظة الثانية : ان حجم الغلاف المالي المقدر بعشرات المليارات المجندة في القطاع في ظرفية عالمية ووطنية خاصة ومن مقدرات ذاتية ومحدودة تنم عن قناعة القائمين على البلد بتنمية القطاع وكذلك عن كفاءة فائقة للوزير المعني في السياسة عموما والهندسة المالية بصفة اخص ،لمن يعرفون العمل الحكومي.
ومن هذه الملاحظات يتبادر الينا كيف لهذه النجاحات ان تتم وان تمت كيف لها ان تدوم.
فلكي تتم يجب خلق اطار تشاوري استشاري على شكل سلطة تنظيم مكونة من جميع الفاعلين والمتدخلين في السوق المعني من منتجين وموردين وجهات حكومية.
خلق المناخ التحفيزي وضبطه لميلاد مؤسسات تمويلية وتأمينية قادرة على الاضطلاع بادوارها الضرورية.
فخامة الرئيس لا يفوتني كتكتلي ان انوه بمناخ التطبيع التعاملي الذي انتهجتم في التعاطي السياسي مع شركاء المشهد السياسي الوطني واتمنى ان تكلل جهودكم بتوسيع دائرة تسيير الشأن الوطني العام فقد ادى التنافر الى انفراد القاصرين ومتسلقي التسويف الى خسارة الوطن لكثير من كفاءاته الخيرة ليست كلها مجتمعة كافية لتسييره.
وانطلاقا منما سبق واسمحو لي ان اقترح عليكم من موقعي واكمالا لتوجهكم اعلان وزارة التنمية الريفية وزارة دولة للاقتصاد الريفي يعهد اليها تنسيق عمل القطاعات المشاركة في المجال .وما اظن ولا ازكي على احدا ان غير الوزير الحالي ادي ولد الزين اصلح لها .فقد حولها رغم عوائق منابع الاختصاص من بؤرة للفوترة الاستنزافية الى خلية نحل لبلوغ الاهداف
والله الموفق
دكاهي ولد الشيخ سيديا