عامان على إعلان رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني ترشحه..وهي مناسبة للحفر في الذاكرة ، واشرئباب النفوس الى المستقبل..
قبل قرون تربى إنسان هذه الأرض على مقومات الوحدة وأضرار الافتراق ، ينشأ يافعا، تدغدغ أذنيه حكم الكبار على شاكلة : " الأعواد التي لا تنكسر وهي مجتمعة " و أصابع اليد الخمسة التي إن قبضت على شيء يتعذر فكاكه ما لم تتراخ ، وحدق العين التي لا يستغني سوادها عن بياضها ولا بياضها عن سوادها .
صهر الزمان والمكان الأمشاج المشكلة لهذا الإنسان ليكون تلونه عامل ثراء وتكامل... يعمق الانتماء الحضاري و يعزز الهوية الجامعة محصنة بالدين الذي يسمو بها فوق الانتماءات والولاءات الضيقة إلى الإنتماء للأمة الجامعة التي يشعر معها المرء أنه جزء من كل. ( وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون )..
و من تطبيقات الديمقراطيات الحديثة تنمية ثقافة الأمة والجماعة لتعزيز دور المواطنة الحقة التي تتعالى على التصنيفات الممزقة، قبلية كانت أو شرائحية أو فئوية..
فالمشترك الديني أثمر التعايش السلمي بين مكونات الأمة الموريتانية رغم فضائها الواسع واختلاف تضاريسه الممتدة من آفطوط الساحلي غربا لشمامة جنوبا لآوكار وتيرس شمالا و لأكان وتكانت وسطا و اركيبة وأظهر وأفله شرقا ..
فتشكلت هوية وقامت حضارة ضاربة الجذور عرفت بخصوصيتها وفرادتها التي حولت البداوة من بيئة طاردة لبيئة جالبة، عالمة، تنتج المعارف وتصدرها وترسي قواعد الفروسية و الدفاع عن السيادة..
ولئن شكل الماضي المشترك ملامح الأمة الموريتانية ذات التنوع الثقافي والهوية الموحدة فإن الدين ربط وشائجها، وقوى علائقها وشعورها بضرورة العيش المشترك الذي يفرض التنازل والاعتراف لضمان البقاء والعمل فيما ينفع الناس ويمكث في الأرض ..
فظل كل بخبرته يعطي ويبدع ويكمل غيره في وسائل الإنتاج المادية واللامادية ونشر المعارف المروية والمكتوبة .
وبهذا حجزت الأمة الموريتانية مكانة لها في دورة التاريخ، وشاركت في صنع التراث الإنساني و رفد معارفه بثراء وتميز.
و لا غرابة أن تعود للتميز والصادرة في الحاضر والمستقبل.حين خرج من الزحام وطني، من أنفسنا، يحمل عراقة الأصل والمنشأ على كتفيه ويستشعر تحديات الحاضر والمستقبل بإعادة تأسيس الذات الموريتانية المستقلة التي يتفيأ أفرادها ظلال المواطنة و يسهم كل منهم بخبراته ومؤهلاته في عملية البناء، لا يخاف ظلما ولا هضما و لا إقصاء ولا تهميشا..
فقرر السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الترشح لرئاسة الجمهورية بأساليب تختلف عن المألوف في أخلاقيات التنافس الانتخابي، بعفة لسان وسعة صدر واعتراف بالخصم و بأن الدولة الموريتانية تسع كل مواطنيها.. و أنه قد أسهم كلهم في بناء ما تم و إن حصل تقصير فله العذر.. بهذا الخطاب المتسامح بدأ الرئيس خطابه للترشح معلنا القطيعة مع عهود الإقصاء والتهميش و الاختلال وعدم الانصاف والتقليل من جهود من سبقوا أو خالفوا.
فشعر المواطن بالأمان. وألقى الساسة عصى الترحال ، ونشأت بيئة جديدة للتقارب والحوار .. مع رسو سفينة إصلاح ربانها متمرس في القيادة و التخطيط يفتح المجال للمساهمة الفاعلة للمواطنين في بناء دولتهم بعدالة ومساواة ، تضع كل مواطن أمام المسؤولية والمحاسبة الذاتية..
و لتقتصر وظيفة الدولة وأجهزتها على الرقابة والتوجيه وتوفير الدعم وتطبيق القانون .
ذلك ما يجسده برنامج فخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني الذي تحل ذكرى الإعلان عنه ( فاتح مارس) وهو يسير بخط مستقيم لا اعوج فيه ولا أمتا ، بشمولية معلنا قيام دولة في خدمة مواطنيها، خافضة الجناح مضمدة الجراح ، باعثة الأمل ، ناشرة الأفراح بتدخلاتها وبرامجها التنموية.
فليست المشاريع في برنامج فخامة رئيس الجمهورية تنظيرا ودراسات مجردة أو أقوالا استهلاكية بل هي تطبيق يراه ويلمسه ويشاهده المواطن في واقعه اليومي، وفعل يجده قائما أمامه في مستشفى أو مؤسسة تعليمية أو مؤسسة بناء ، او في مشروع اندماج أو وكالة تشغيل أو تآزر، بعدالة وشفافية وإنصاف.. أو حفظ لتراث معرفي بتحديث وسائل إنتاجه واستثمارها ليبقى كما كان مصدر تقدير للموريتاني في عمقه العربي والإفريقي بل العالمي.
نماذج علمية وثقافية كثيرة دالة تشهد أن لنا ثروة معرفية يجب أن نحافظ عليها ونستثمر في بقائها بصفاء و نقاء.. فحين تتنافس دول العالم المتقدمة في اقتصاديات المعرفة فلنا اقتصاد منافس هو تصدير العلماء الموسوعيين شرقا وغربا.
ومن أجل صيانة التراث وتجديده للمصالحة مع التاريخ، أعلن فخامته عن فتح مسابقة لحفظ المتون المحظرية وفهمها، فتوجت بجائزة لرئيس الجمهورية أشرف بنفسه على توزيعها..هي جائزة شنقيط بحق..شنقيط التي كانت تاجا رفعه الأجداد على الرؤوس فعلا كل الهامات و القمم.