حدثني أحد الشباب خلال سفر جمعنا، بأنه كان قد تعرف في عام مضى، على شاب قادم من إحدى الدول الغربية (لم أعد أذكر جنسيته بالضبط)، كان يركب دراجة، قاصدا مدينة أطار، في إطار رحلة سياحية.
الغريب في قصة هذا الشاب السائح، أنه ظل يجمع أعقاب السجائر التي كان يدخنها، ويضعها في جيوب بنطلونه، حتى وصل إلى نزل في الطريق، به حاوية للقمامة، فما كان من السائح الشاب إلا أن أفرغ جيوبه، وأخرج ما كان فيها من أعقاب سجائر، ولم يكن قليلا، فألقاه في الحاوية، وهو ما أثار استغراب الموجودين في النزل في ذلك الوقت، مما جعل أحدهم يسأل السائح الشاب عن الأسباب التي جعلته يحتفظ بأعقاب السجائر في جيبه، فرد أنه لم يكن ليرضى لنفسه بأن يرمي أعقاب سجائره على قارعة الطريق، حتى ولو كان الطريق خاليا من أي ساكن.
تحضرني الآن، وأنا أستعيد قصة هذا الشاب، المشاهد التالية:
المشهد الأول: أسرة موريتانية ماتت معزاتها، فأخذت تجرها إلى أن أوصلتها إلى الشارع العام، ورمتها هناك، وبعد مدة انتفخت المعزاة (الجيفة)، وأصبحت تصدر منها روائح كريهة جدا تؤذي كل من يمر بذلك الشارع، وربما تحللت تلك الجيفة دون أن تجد من يذهب بها عن الشارع.
لا أدري إن كانت الأمور قد اختلطت على هذا الأسرة الطيبة، فأصبحت تعتقد بأن وضع الأذى في الطريق - لا إماطة الأذى عنها - سبب من أسباب دخول الجنة.
المشهد الثاني: نائب مقاطعة، وهو نائب لها منذ أول برلمان موريتاني في عهد معاوية وحتى اليوم، رأيته مرة يوقف سيارته جنب شارع عام في قلب العاصمة، ثم يذهب إلى حائط إدارة عامة، ويبدأ بالتبول.
فإذا كان هذا هو حال النائب، فكيف سيكون حال من انتخبوه؟
المشهد الثالث: مرة بينما كنت أسير ضحى، على جنب أحد شوارع تفرغ زينة، لاحظت أن هناك زحمة على الشارع، تابعت سيري، وبدأت أصوات منبهات السيارات تزعجني، يبدو أن هناك من يسد الطريق مما اغضب أصحاب السيارات. واصلت طريقي، حتى وصلت إلى من يسد الطريق، وكانت المفاجأة : رجل يبدو من شكله أنه "محترم"، يقود سيارة فارهة (VX)، ويقف بجنب سيارته بائع خبز ( الخبز المعد على الأفران التي تعمل بالحطب)، كان صاحب السيارة يقلب الخبز بهدوء ليختار قطع الخبز التي ترضيه، ولم يظهر هذا الرجل "الوقور المحترم" أي اهتمام بأصوات المنبهات، ولا بمستوى الانزعاج الكبير الذي سببه لمن خلفه من أصحاب السيارات.
ظل الرجل "الوقور المحترم" يقلب الخبز بهدوء، وكأنه على صحراء جرداء لا يوجد فيها إلا هو وبائع الخبز.
المشهد الرابع : مشهد شارع ضيق في الكزرة لا يمكن أن تمر منه في وقت واحد، سيارتان متعاكستان في الاتجاه، ولذلك فقد حدث نقاش ساخن بين سائقين، كان كل واحد منهما يطلب من الآخر أن يعود إلى الوراء حتى يمر هو أولا، ثم بعد ذلك يمر الثاني.
أحد السائقين غضب غضبا شديدا، فأغلق سيارته، وذهب تاركا الشارع مغلقا، وكأن الشارع ملكا له، ورثه من آبائه وأجداده، يفتحه متى شاء، ويغلقه متى شاء. ذهب صاحبنا بكل بساطة تاركا أصحاب السيارات في حيرة من أمرهم.
ويحضرني....ويحضرني...ويحضرني الكثير من الصور المشابهة.
ويبقى السؤال لماذا يحترم سائح أجنبي شارعا في أرض خالية، ولا نحترم نحن شوارعنا التي توجد في قلب عاصمتنا؟؟
من أرشيفي مع تعديل بسيط ..تم نشره لأول مرة 2013.